من “تسقط بس” الى إعتقالات وعنف وتعذيب… هذه هي ثورة السودان!
هيفاء البنا
قد يخيّل لك أنك أمام تحدٍ جديد حين ترى هاشتاغ منتشر بعنوان #تسقط_بس، ليتبيّن لاحقا أنه لم يكن تحدٍ عالمي، بس كان فقط تحدٍ ذات وجهة واحدة وشعب واحد وقضية واحدة.
ويقال أن هاشتاغ #تسقط_بس إنطلق من محادثة بين شاب وحبيبته في السودان، بعد أن كانا إتفقا على موعد، ولم يحصل بسبب الأوضاع الأمنية، لترسل الفتاة لحبيبها رسالة تقول فيها: “الحكومة تمنعني أشوف حبيبي… #تسقط_بس”.
إنطلقت التحركات الشعبية في كانون الثاني/ ديسمبر 2018 بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات. هذا الحراك الذي قيل انه أكبر تحد شعبي لحكم الرئيس عمر البشير، الذي تولى السلطة في البلاد قبل 29 عاما، دفع بالنظام الى إعلان حالة الطوارئ وإغلاق المستشفيات والجامعات والمدارس، والعمل على فض الشارع بقوة السلاح وتكثيف إنتشار القوات النظامية والأمن الشعبي، الذي سنأتي على ذكر أفعاله لاحقا.
إنطلقت التظاهرات في العديد من مدن السودان وبخاصة في العاصمة الخرطوم حيث دعت النقابات و تجمع المهنيين السودانيين الى تظاهرات سلمية، ليأتي الرد من السلطات الامنية بإطلاق الغاز المُسيل للدموع وإعتقال العشرات من المتظاهرين وملاحقة آخرون في الطرق الفرعية وحتى الى البيوت.
وبعد أن عجزت مؤسسات النظام الأمنية في وضع حد للتظاهرات المستمرة على مدى أسابيع، على الرغم من استخدامها للعنف المفرط والرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والإعتقالات العشوائية، لم تجد نفعا في وقف زحف الجموع الثائرة ضد نظام البشير- الرئيس الحالي، لتستعين بمؤسساتها الإستخبارتية في قمع الشعوب الهادفة الى التعبير عن رأيها، فإستقدمت الأجهزة الأمنية ما يسمى “بالأمن الشعبي”، وهو عبارة مليشيات تابعة للنظام الحاكم، لهم مطلق الحرية في التعامل مع المتظاهرين دون التعرف عليهم، فهم لا يرتدون اي زي رسمي، ويتجولون بعربات نقل رباعي لا لوحات لها.
عنف، سحل، تهديد، إعتقال وقتل!
أكثر من خمسين شخصاً قتلوا منذ بداية التظاهرات حتى تاريخه… بالرصاص الحي!
بعد أن عمد الأمن السوداني والميليشيات المساعدة إلى اعتقال المتظاهرين والناشطين، قام باعتقال متطوعين في منظمات خيرية ومدنية، وطرد صحافيين وعمال أجانب في منظمات حقوقية، بالإضافة الى اعتقال أطباء وصيادلة. كما وشهدت البلاد تعاملاً وحشياً مع النساء اللواتي نزلن إلى التظاهرات، في محاولة لترهيبهنّ من النزول إلى الشارع والتعبير عن أنفسهنّ.
تخبر عبير (إسم مستعار) إبنة الـ23 عاما “وتنس”، التي اعتقلت مجدداً يوم أجرينا معها المقابلة، إنها كانت قد اعتقلت ثلاث مراتٍ من قبل؛ في المرة الأولى كسروا يدها، وفي المرة الثانية سحلوها وحلقوا شعرها وهددوها بجرحها بآلات حادة في مناطق حساسة.
بدورهم، لم يسلم الأطفال أصحاب الهمم – ذوي الإحتياجات الخاصة من العنف، فانتشر عدد من مقاطع الفيديو لطفل يصرخ من حافلة مدرسته: “تسقط بس”، ليقوم رجل الأمن بالصعود الى الحافلة وتهديد الطفل بالسلاح، كما انتشر فيديو آخر يظهر عناصر أمنية تلاحق مقعداً على كرسيه المتحرك وتدفعه ليقع عنها أرضاً.
ندى، التي أصيبت بطلقة رصاص مطاطي في يدها اليمنى تقول لـ”وتنس”: “الوحشية التي نراها اليوم لا يمكن وصفها. انا أصبت بالرصاص الساعة الرابعة عصراً وأزيلت الطلقة من يدي الساعة التاسعة مساءاً. المستشفيات الحكومية والخاصة ترفض إدخال المصابين، ويتم إغلاق العديد من المستوصفات والمستشفيات بالقوة و بالرصاص”. كذلك انتشرت مقاطع فيديو لحالات هلع واختناق داخل إحدى المستشفيات، حيث دخل عناصر الأمن وأطلقوا القنابل المسيلة للدموع بين المرضى.
فيديوهات أخرى انتشرت لقوات الأمن الشعبي؛ يضربون بالعصي طلاب جامعة الخرطوم، ويرمون القنابل المسيلة للدموع داخل الصفوف، في محاولة لإقفال الجامعة وفرض حظر التجول. فتمّ تهديد أسر الضحايا، من قتلى ومعتقلين، بالتعرض لهم إذا ما تم تصوير التظاهرات ووقائع تفريق المتظاهرين بالرصاص الحي لنشرها عبر مواقع التواصل.
الطبيبة وفاء تخبر “وتنس” عن أسلوب اعتقالها وأختها الناشطة السياسية: “كنا داخل سوبرماركت وتفاجئنا برجال الأمن يلحقون بنا. كانوا يستهدفوننا مباشرة! تم صعقنا بالعصا الكهربائية، ومن ثم تم اعتقالنا. اعتقلوني لمدة يومين، اما أختي فما زالت قيد الاعتقال”.
خطف، إختفاء قسري، وتعذيب!
يفصل الناشطون السودانيون أجهزة الإعتقال الى جهازين. الاول هو الجهاز الامني بلباسه الرسمي وهم يتحفظون على معتقليهم في المباني الأمنية التابعة للنظام، والجهة الثانية هي الأمن الشعبي الذي يمتلك مراكز تحقيق واعتقال وتعذيب خاصة؛ يطلق عليها إسم “بيوت الاشباح”.
في تقرير نشرته قناة BBC، أوضحت فيه كيف أن المعتقل يؤخذ الى جنوب مستشفى آسيا، حيث يوجد ثلاجة موز تحتوي على زنازين فردية وجماعية وتصل درجة الحرارة فيها الى ما يقارب -15، إذ تستعمل البرودة كأحد اساليب التعذيب الذي لا يترك أثرا على الجسد. ويوضح التقرير أن العديد من المخطوفين والمختفيين متواجدون في هذا المكان، إذ يمكنك سماع أصوات المعذّبين.
الصيدلاني محمد، مرّ بتجربة الاعتقال والتعذيب لمدة أسبوعين، يقول ل “وتنس”: “إعتقلوني لأني كنت أحاول إسعاف أحد المتظاهرين، وتركوني لفترة طويلة دون مياه. الأوامر التي كنت أتلقاها كانت تقضي بأن اجلس القرفصاء لمدة طويلة جدا، مما أدى الى إصابتي بفشل كلوي وتم نقلي إلى المستشفى مع إبقاء الحراسة مشددة علي!”
لا إنترنت، لا إعلام!
منذ إنطلاق هذه التظاهرات، عمد النظام إلى تهديد الصحافيين من عدم دعم هذه التظاهرات، ففرض على الصحافيين المواضيع المكتوبة وكيفية نشرها.
واحتجبت صحيفتا “التيار” و”الجريدة” السودانيتان عن الصدور، بعد رفضهما الخضوع لتوجيهات من جهاز الأمن والمخابرات بحذف عدد من الموضوعات قبل الطباعة. وقال رئيس تحرير صحيفة “الجريدة”، أشرف عبد العزيز إن مندوباً من جهاز الأمن اطلع على الصحيفة قبل صدورها في إطار الرقابة القبلية، وطالبهم بعدم إبراز خبر سقوط خمسة قتلى في الاحتجاجات الشعبية الحالية، رغم أن الصحيفة نسبته لمدير جهاز الأمن.
تقول الصحفية هنادي الصديق رئيسة تحرير صحيفة “أخبار الوطن” الناطقة بإسم حزب المؤتمر السوداني أنهم تركوا مقر الصحيفة بعد تطويق المبنى من قبل الأمن، مضيفة أنه منذ بداية الاحتجاجات، تعرضدت الصحيفة للمنع من الصدور خمس مرات وصودرت من المطبعة ثلاث مرات.
الصحافية في صحيفة التيار “شمائل النور” قالت أن وضع الصحافة في السودان من سيء الى أسوء، فالتضيق على الحريات الإعلامية بات واضحا. وتضيف الصحافية أن عناصر الأمن يأتون بإستمرار الى مبنى الصحيفة لتهديدها والعاملين فيها ويقومون بمهام رئيس التحرير ويأمرون بسحب بعض المواد المتعلقة بالإحتجاجات. “ما كتبته شخصيا منذ 20 كانون الثاني/ديسمبر لا يتجاوز الـ5 أعمدة بسبب الرقابة! فالأمن لا يريد الحديث عن الإحتجاجات بأي شكل حتى وصل بهم الأمر ان يحجبوا عن صحيفتنا التعليقات الرسمية الصادرة عن النظام حول الإحتجاجات.. أنا موقوفة من الكتابة!”
تلجأ شمائل كما غيرها الى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي في إيصال معلوماتها حول التظاهرات بعد أن حجبت ورقيا على الرغم من مراقبة مواقع التواصل الإجتماعي وقطع شبكات الإنترنت معظم الأحيان: “حوّلت نشاطي الصحفي في تغطية التظاهرات الى صفحتي على فيسبوك، فالمعلومات التي أحصل عليها كصحافية أنشرها على الصفحة”.
ويقول الصحافي في “التيار” محمد إبراهيم الخليفة: “وضع الصحافة السودانية الآن هو الأسوء على الإطلاق بسبب تضييق الخناق على مواضيعنا وعلى حرية تعبيرنا وحتى على أداءنا لعملنا على الأرض. أنا كصحفي الآن شبه عاطل عن العمل بسبب عدم قبول عناصر الأمن السماح بنشر مقالاتي، الأسوء انه يتم محاكمة الصحافيين الذين يؤدون عملهن بحسب قانون الطوارئ، ولدينا الكثير من الزملاء حكم عليهم بالسجن لمدة 3 شهور!”
يوم المرأة في الثورة السودانية
وبمناسبة يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار/مارس، أطلقت دعوات جديدة للتظاهر تضامناً مع نضالات المرأة السودانية، حيث أعلن تجمع المهنيين السودانيين عن مواكب احتجاجية جديدة مشتركة في العاصمة الخرطوم والولايات، مخصصة لنضالات المرأة السودانية، تتجه نحو منازل رائدات في الحركة النسوية السودانية، في ظل العمل على تهدئة الأوضاع من قبل الأطراف السياسية التي تسعى الى حل دبلوماسي.
شاهد.. صوّر.. غيّر!
إن توثيق حقوق الإنسان يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر وخاصة في التعامل مع الأجهزة الأمنية. مصادر “وتنس” تساعدك على فهم كيفية التعامل مع الظروف على الأرض، أرشفة المواد المصورة، إستخدام الفيديو كدليل، كيفية حماية نفسك والآخرين إجراء المقابلات وإستخدام هاتفك النقال:
- توثيق حقوق الإنسان بإستخدام الفيديو
- إستخدام الفيديو كدليل
- التصوير بإستخدام الهاتف النقال
- 10 نصائح لتصوير الإحتجاجات والتظاهرات والتجمعات
- الدليل لأرشفة الفيديو
- أفضل الطرق لرفع مقاطع الفيديو على Youtube
- تصوير حوادث الكراهية
- نصائح إجراء المقابلات
- التوثيق بالفيديو: الإنتخابات وحقوق الإنسان